سيناريوهات تنتظر الاقتصاد الأمريكي مع فيروس كورونا

سيناريوهات تنتظر الاقتصاد الأمريكي مع فيروس كورونا

18 مارس 2020 03:51 م

ضرب فيروس كورونا الاقتصاد الأمريكي بقوّة، وبدأنا نلاحظ ارتفاعاً في عدد الحالات المصابة بالفيروس، ليصل العدد حتى لحظة كتابة هذا التقرير إلى أكثر من 6300 إصابة. وارتكز انتشار الفيروس في ولاية نيويورك وكذلك واشنطن، تبعهما كاليفورنيا، وهي الولايات الثلاث الأعلى عدد إصابات. لكن بشكل عام، أجبرت الحكومة الأمريكية على إعلان حالة الطوارئ في مواجهة الفيروس المستجد.

والانتشار السريع للفيروس يقدّم لنا عدّة سيناريوهات من التأثير على الاقتصاد الأمريكي، لكننا سنأخذ اثنان منها فقط، وذلك لتقديم مقارنة عمّا ينتظر الاقتصاد الأمريكي في الأيام القادمة مع فيروس كورونا.

بداية، نشير إلى أن الحكومة الأمريكية قدّمت وستقدّم مليارات من الدولارات من أجل تحفيز الاقتصاد، وقام الفيدرالي الأمريكي بخفض الفائدة بمقدار 150 نقطة أساس على دفعتين ليعيد أسعار الفائدة إلى مستوياتها الأدنى تاريخياً عند 0.00% - 0.25%، وهي مستويات لم نشهدها منذ الأزمة المالية العالمية. كما قدّم الفيدرالي الأمريكي برنامج شراء للسندات بلغ مقداره 700 مليار دولار، وقام بتوفير سيولة ضخمة بالتريليونات من الدولارات لأسواق اتفاقيات إعادة الشراء، بل وأعاد برنامج دعم الشركات.

لكن الأثر الاقتصادي المباشر لكل ما قدمّته الحكومة الأمريكية والفيدرالي الأمريكي لم يظهر على الأسواق المالية، بل ومن غير المحتمل حالياً، إذ أن كل سياسات التحفيز الاقتصادي تكون مجدية في العادة مع الأزمات الاقتصادية والمالية الطبيعية والتابعة للدورات الاقتصادية. لكن عندما يتعلّق الأمر بفيروس كورونا، هنا ستختلف المعادلة كثيراً. سياسات الحكومة الأمريكية لاحتواء الفيروس تشمل قيوداً على السفر من وإلى الولايات المتحدّة من العديد من الدول. كما أن الإجراءات تشمل تعطيل الكثير من الشركات والأعمال في البلاد لتقليل الاختلاط بين الناس، وهذا بحد ذاته يعتبر مدمّر اقتصادياً. لكن، الأثر الأهم لتفشي فيروس كورونا هو التغيّر في العادات الاستهلاكية إلى جانب تأثّر إنتاجية الشركات.

من القطاعات التي تأثّرت كثيراً بفعل فيروس كورنا قطاع السياحة والسفر، وكذلك النشاطات الترفيهية، وهذه القطاعات تشكّل حوالي 7% من الناتج المحلي الإجمالي الأمريكي بحسب ما ورد في وكالة CNN. ولو شهدنا انخفاضاً فقط بـ 10% في نشاطات هذه القطاعات، فسيكون نظرياً تأثير ذلك على الاقتصاد بواقع 0.5% تقريباً خلال ربع سنة.

ولو نظرنا إلى ما يشكّله الإنفاق الاستهلاكي من الناتج المحلي الإجمالي الأمريكي، سنجد بأنه يشكّل 70% من الناتج المحلي الإجمالي. ولو افترضنا فقط انخفاضاً مقداره 10% في الإنفاق الاستهلاكي على ربع سنة واحد، هو الربع الأول من هذه السنة، فسنكون أمام احتمال انخفاض في نمو الناتج المحلي الإجمالي مقداره 0.14% بقياس النمو الذي تحقق الربع الرابع الماضي من 2019 والذي بلغ مقداره 2.1%. لكن يجب أن نعلم بأن قيمة انخفاض 10% متفائلة جداً، إذ أن لانخفاض الإنفاق آثار جانبية أخرى على المدى الأبعد.

وتشير التوقعات بأن يكون تأثير فيروس كورونا على الاقتصاد الأمريكي خلال الربع الثاني من هذه السنة عبارة عن خفض الناتج المحلي الإجمالي بقيمة قد تصل إلى 5%، وهذا سيكون انكماش حاد بل قياسي عبر التاريخ الحديث.

لندخل الآن في السيناريوهات المحتملة:

السيناريو الأول: توقّف الانتشار خلال شهر أبريل المقبل

في حال توقّف الانتشار شهر أبريل المقبل، سيكون الناتج المحلي الإجمالي الأمريكي قد تأثّر بشكل أقل من لو امتد التأثير لكامل الربع الثاني، حيث أن التأثيرات هنا ستقتصر على ما حصل الآن، وبذلك ربما نشهد انكماش مقداره 0.5% في الناتج المحلي الإجمالي بحسب ما ورد في CNN من توقعات.

والانكماش في الناتج المحلي الإجمالي المشار له عبارة عن تأثّر مقداره 10% في قطاعات أساسية تشكّل 0.7% في الاقتصاد، إذن هذه التوقعات تبدو متفائلة جداً، ومن غير المتوقّع أن نشهد تغيّراً كبيراً بالإنفاق الاستهلاكي، إذ أن المستهلك تغيّرت عاداته بالفعل، لكن توجّه نحو السلع الأساسية، وبذلك نكون أمام انكماش محدود في الاقتصاد الأمريكي.

السيناريو الثاني: استمرار الانتشار حتى شهر أغسطس

لقد توقّع الرئيس الأمريكي أن يشهد انتشار الفيروس انحساراً شهر أغسطس المقبل، وهذا يعني بأن النصف سنة الأولى من 2020 ستشهد تغيّرات كبيرة في العادات الاستهلاكية خلال الربع الثاني، ثم تبدأ نسب البطالة بالارتفاع مع انخفاض إيرادات وإنتاجية الشركات. عندها، سوف ينخفض الاستهلاك الشخصي بشكل حاد، ورغم ارتفاعه خلال الشهر الجاري مارس واحتمال ارتفاعه خلال شهر أبريل المقبل على أقصى تقدير، إلا أن الاستهلاك سيبدأ بالانهيار بسرعة، مع نقص السيولة الذي سيحصل.

هنا سنكون أمام احتمالية كساد اقتصادي عميق، وليس فقط انكماش في الاقتصاد. الإجراءات الحكومية ستصبح أكثر شدّة، والعزل سيشمل عشرات الملايين من البشر في الولايات المتحدّة، عندها لن تكون خطط الحكومة لخفض الضرائب ذات أهمية، ولا كل ما قام فيه الفيدرالي الأمريكي لتدعيم الاقتصاد.

استمرار انتشار الفيروس في الولايات المتحدّة ربما سيسبب انهياراً اقتصادي يرتكز على الربع الثاني من هذه السنة، وربما يمتد للربع الثالث على الأٌقل في هذه الحالة. عام 2009 شهدنا انكماشاً وصلت نسبته إلى -8.4% خلال الربع الرابع من عام 2008، وكان ذلك مع قيام الفيدرالي الأمريكي والحكومة الأمريكية بتقديم تحفيزات هائلة للاقتصاد، وبالتأكيد كان هنالك تجاوب مع هذه الخطط لأنه كان نتاج أزمة مالية مرتبطة بالاقتصاد. لكن في حالتنا عام 2020، فالوضع مختلف جداً، إذ أن المستهلك والمنتج يتأثّران بمؤثّر خارج عن إرادة الفيدرالي الأمريكي، وهو انتشار فيروس كورونا، وبالتالي لا يجب استبعاد انكماش يفوق 8.4% خلال الربع الثاني أو الثالث خلال هذه السنة في حال استمر انتشار الفيروس بشكله الحالي.

يمكن للاسعار أعلاه ان تكون متأخرة بخمسة ثواني و تخضع لشروط و أحكام الموقع. الأسعار أعلاه إرشادية فقط