ما هي الحالة الاقتصادية التي تهدد اليابان، وما مصير الين الياباني؟

ما هي الحالة الاقتصادية التي تهدد اليابان، وما مصير الين الياباني؟

21 أبريل 2021 12:09 م

يختلف الاقتصاد الياباني عن العديد من الاقتصادات الأخرى في العالم عندما يتعلّق الأمر بالأزمات، مثل الركود الاقتصادي. وطالما شهدت اليابان حالة اقتصادية خطيرة في كل مرّة دخل فيها الاقتصاد في ركود، وهذه الحالة هي الانكماش التضخّمي، أو المدعوّة باسم "Deflation". هذه الحالة يجتمع فيها انكماش الناتج المحلي الإجمالي مرافقاً لانخفاض أسعار السلع والخدمات، أي أن يكون مستوى التضخّم في السالب.

وعرفت اليابان بأنها دولة تشهد فيها الحكومة والبنك المركزي تحديات هائلة للتحكّم في منحنى الأسعار بعد حصول ضعف اقتصادي، وعلى ما يبدو، فالمجتمع الياباني تتأثّر عاداته الاستهلاكية بشكل كبير أثناء الركود الاقتصادي.

منذ بداية القرن الـ21، دخل الاقتصاد الياباني في حالة Deflation، ولم تستطع اليابان الخروج من تبعات انكماش التضخّم (التضخّم السلبي) منذ عام 1999 وحتى عام 2006، حيث انكمش التضخّم بحسب مؤشر سعر المستهلك السنوي بشكل متواصل أغلب الوقت. كذلك، بعد الأزمة المالية العالمية 2008، لم يستطع الاقتصاد الياباني إثبات خروجه من حالة الـ Deflation بشكل قاطع إلا عام 2013. وخلال 2020، عادت مستويات التضخّم للانخفاض في اليابان لمستويات السالب، وما زالت هذه الحالة مستمرّة حتى الآن، بمعدّل تضخّم -0.40%.

لماذا تعتبر حالة الـ Deflationخطيرة؟

تحاول البنوك المركزية في العالم أن يكون النمو الاقتصادي مستمّراً، وهذا يتطلّب أيضاً مستوى تضخّم حول 2%، وهو ما يسمّى هدف نمو الأسعار أو هدف التضخّم في البنوك المركزية للدول العظمى. عندما يكون التضخّم ما دون 2% بكثير، فهذا يدل على انخفاض في الإنفاق، فيما عندما يكون فوق الـ2% بشكل كبير، فهذا قد يتسبب في فقاعات بالاقتصاد.

لكن، عندما يكون التضخّم سالباً، هنا ستتأثّر مقاييس الناتج المحلي الإجمالي، ويكون التضخّم السالب دلالة على ضعف كبير في القدرة الشرائية، إن كانت بشكل متعمّد بفعل تأجيل الإنفاق، أو بشكل إجباري عندما تكون معدّلات البطالة مرتفعة.

ومع استمرار التضخّم السالب، نلاحظ بأن المجتمع يبدأ في ملاحظة انخفاض الأسعار، فيؤجّل شراء السلع الغير أساسية، ويخفّض شراء السلع الأساسية، انتظاراً لمزيد من الانخفاض في الأسعار، وهنا تكمن الكارثة، إذ أن ذلك يتسبب في العادة في انخفاض في الناتج المحلي الإجمالي.

وتشكّل مبيعات الجملة والتجزئة في اليابان ما قيمته 12.5% من الناتج المحلي الإجمالي الياباني، وبحسب بيانات عام 2018، تشكّل الخدمات ما نسبته 69.31% من الناتج المحلي الإجمالي.

وبحسب آخر قراءة لمؤشر سعر المستهلك في اليابان، والتابعة لشهر فبراير الماضي، تمّت ملاحظة انخفاض أسعار الخدمات بنسبة 5.8% على مدى 12 شهر، كما انخفضت أسعار المواصلات والاتصالات بنسبة 0.2%.

وبالنظر إلى الحقائق المرتبطة بالأسعار، سنلاحظ بأن الانخفاض الكبير في أسعار الخدمات هو المحرّك الأساسي لانخفاض التضخّم، وكما أشرنا، تشكّل الخدمات ما نسبته 69.31% من الناتج المحلي الإجمالي الياباني، وبالتالي، الضغط على الناتج المحلي الإجمالي قد يبقى مستمرّاً لفترة مطوّلة من الزمن.

يتوقّع صندوق النقد الدولي أن يحقق اقتصاد اليابان نسبة نمو مقدارها 3.3% هذه السنة 2021، بحسب التوقعات الأخيرة التي أصدرها الصندوق هذا الشهر أبريل. أي أن الاقتصاد ربما سيشهد أفضل نمو له منذ الربع الثالث عام 2010 على مقياس نمو 12 شهر. لكن، لو عدنا بالذاكرة ما بعد عام 2010 في اليابان، سنذكر حينها عودة الانكماش في الاقتصاد خلال 2011 على مدى الربع الثاني والثالث، رغم أن نمو الناتج المحلي الإجمالي لـ12 شهر المنتهية في الربع الثالث 2010 كانت عند 5.6%.

من هنا، نلاحظ بأن لانخفاض التضخّم، وتحديداً التضخّم السلبي، تأثير هائل على الاقتصاد، حتى عندما يكون في مسيرة التعافي، فحالة الـ Deflationبدأت في اليابان شهر أكتوبر 2020، واستمرّت حتى الربع الرابع 2020. وبالنسبة للتضخّم، فما زال ينخفض للشهر الثاني على التوالي هذه السنة، ونحن في انتظار إعلان بيانات الناتج المحلي الإجمالي للربع الأوّل من هذه السنة.

نتيجة لتوقعات الاقتصاد:

بما أن الناتج المحلي الإجمالي لليابان من المحتمل أن يحقق نمو خلال هذه السنة، فلن يطابق ذلك تعريف حالة الـ Deflationالاقتصادية. لكن في نفس الوقت، هذا بحسب التعريف الكلاسيكي لحالات الاقتصاد. أما بحسب النظريات الحديثة في علم الاقتصاد، والتي تعتبر أن أي انخفاض في أداء الاقتصاد والناتج المحلي الإجمالي لفترة زمنية محددة يعتبر انكماش، وإن استمر لستّ أشهر يعتبر ركود، فمن الممكن اعتبار أن الاقتصاد الياباني قد يبقى في حالة Deflationالاقتصادية بحسب التعريف الاقتصادي الحديث للانكماش الاقتصادي والركود، وهذه الحالة تعتبر أحد أخطر الحالات الاقتصادية.

قد نشهد نمو في الناتج المحلي الإجمالي الياباني بالفعل، وذلك بسبب سياسات بنك اليابان المركزي وحكومة اليابان اللذان يقدّمان تحفيزات هائلة. لكن في نفس الوقت، يبدو بأن الاقتصاد سيبقى ضعيفاً جداً، ومهدداً بأن يشهد فترات من الانكماش الاقتصادي، على مستوى شهري، أو حتى على مستوى ربع سنوي، حتى لو لم يظهر على القراءات السنوية للناتج المحلي الإجمالي.

كيف سيؤثّر ذلك على الين الياباني؟

بالعودة للفترة بين عام 1999 وعام 2002 عندما بدأت حالة الانخفاض في التضخّم، سنلاحظ انخفاض الين الياباني مقابل العديد من العملات منها الدولار الأمريكي.  ونفس هذا الأمر تكرر خلال الفترة بين 2011 و2012. وخلال الفترة القصيرة التي انخفض فيها التضخّم ما دون الصفر في اليابان عام 2016، حصل أيضاً انخفاض في الين الياباني مقابل الدولار الأمريكي. وفي عام 2020، وتحديداً خلال أواخر الربع الأوّل وبداية الثاني، انخفض الين الياباني بقوّة مقابل الدولار. وعاد للارتفاع حتى وصلنا عام 2021 عندما بدأ الين الياباني بالانخفاض بشكل حاد جداً مقابل الدولار الأمريكي.

لذلك، بشكل عام سيبقى الين الياباني ضعيفاً مقابل العديد من العملات خلال هذه السنة، لكن قد نشهد تذبذب في أزواج العملات المرتبطة في الين الياباني، في تصحيحات صاعدة للين الياباني كالتي تحصل في الوقت الراهن. لكن من الملاحظ بأن التصحيحات الصاعدة للين الياباني تبقى أضعف من الاتجاهات الهابطة له، وهذا ما قد يفسّر ما سيحصل أيضاً في المستقبل من فروقات بين الاتجاهات الهابطة الأقوى من الصاعدة التي ربما ستؤثّر على الزوج طوال هذه السنة.

فحين تظهر ظروف داعمة لارتفاع الين الياباني، قد يبقى الارتفاع محدوداً نسبياً، مقارنة في الظروف التي تؤثّر سلباً في الين، والتي قد يستجيب لها بقوّة خلال انخفاضه.

الأوسمة:

يمكن للاسعار أعلاه ان تكون متأخرة بخمسة ثواني و تخضع لشروط و أحكام الموقع. الأسعار أعلاه إرشادية فقط