«البيج بوك» للفيدرالي يكشف تباطؤاً واسعاً في النمو… والأنظار تتجه لمزيد من خفض الفائدة
أظهر أحدث إصدار من تقرير البيج بوك الصادر عن الاحتياطي الفيدرالي الأميركي صورة قاتمة لنمو الاقتصاد، ما يعزز توقعات الأسواق بأن صناع السياسة النقدية سيمضون قدماً في خفض أسعار الفائدة خلال الأشهر المقبلة. ورغم تعطل صدور العديد من البيانات الرسمية بسبب الإغلاق الحكومي المستمر، فإن المسح الإقليمي للبنك المركزي يشير إلى أن النشاط التجاري شبه متوقف، والطلب على العمالة ضعيف، وضغوط الأسعار يجري امتصاصها من خلال هوامش أرباح الشركات. ومع إبداء رئيس الفيدرالي جيروم باول قلقه من تباطؤ التوظيف، ودعوة عدد من

«البيج بوك» يرصد «ضعفاً عاماً» في النشاط الاقتصادي عبر معظم المناطق.
الطلب على العمالة منخفض، وتسريح الموظفين يتزايد مع تسارع تبني الذكاء الاصطناعي.
تكاليف المدخلات تتجاوز أسعار البيع، ما يضغط على هوامش أرباح الشركات.
الأسواق تتوقع خفضاً للفائدة في أكتوبر وديسمبر، مع احتمالات لمزيد من الخفض في 2026.
الفيدرالي يرصد تباطؤاً واسعاً عبر المناطق
أصدر الاحتياطي الفيدرالي تقريره الدوري المعروف باسم «البيج بوك»، وهو مسح نوعي يستند إلى آراء الشركات في المناطق الاثنتي عشرة التابعة للبنك، في وقت يعوق فيه الإغلاق الحكومي جمع البيانات الرسمية.
وأظهرت النتائج أن النشاط الاقتصادي “لم يتغير كثيراً” منذ التقرير السابق، مع اتساع رقعة المناطق التي تشهد ركوداً أو انكماشاً طفيفاً.
من بين المناطق الاثنتي عشرة، سجلت ثلاث مناطق فقط نمواً طفيفاً إلى معتدل، بينما لم تُسجّل خمس مناطق أي تغيير، ورصدت أربع مناطق تراجعاً ملحوظاً في النشاط. وهذه الصورة تمثل تدهوراً عن أغسطس، حين أبلغ ثلث المناطق عن “نمو معتدل”.
هذا الضعف الإقليمي يؤكد فقدان الزخم الذي تحدث عنه باول مطلع الأسبوع، عندما أشار إلى أن الوضع الاقتصادي لم يتحسن منذ خفض الفائدة في سبتمبر.
يُعد «البيج بوك» أداة أساسية للفيدرالي في فترات تعطل البيانات الرسمية، إذ يقدّم لمحة آنية عن كيفية تفاعل الشركات مع ضعف الطلب وارتفاع الضبابية والتحولات البنيوية، لا سيما في سوق العمل.
تجميد التوظيف وتسريحات… وتأثير الذكاء الاصطناعي
أشار التقرير إلى تراجع واضح في أوضاع التوظيف. فقد ظل الطلب على العمالة “ضعيفاً عبر المناطق والقطاعات”، فيما بدأ مزيد من أصحاب الأعمال “خفض عدد الموظفين من خلال التسريح أو عدم التعويض عن الاستقالات”.
وتحدثت شركات عن مبيعات أضعف، وضبابية متزايدة، وفي حالات عدة عن استثمارات أكبر في تقنيات الذكاء الاصطناعي كبديل للعمالة البشرية.
هذا التحول البنيوي يضيف بُعداً جديداً للتباطؤ الحالي، إذ لا تقتصر أسبابه على ضعف الطلب فحسب، بل تشمل أيضاً إحلال التكنولوجيا محل الوظائف، وهو ما قد يحقق مكاسب كفاءة طويلة الأمد على حساب استقرار الوظائف في المدى القصير.
في أغسطس، كانت 11 من أصل 12 منطقة تشير إلى استقرار في التوظيف، أما الآن فتميل الكفة إلى تراجع فعلي، ما يعزز مبررات الفيدرالي لمواصلة التيسير النقدي لتدعيم سوق العمل وثقة المستهلكين.
الأسعار ترتفع أسرع من الأرباح
رغم تباطؤ التضخم العام، لا تزال هوامش أرباح الشركات تحت ضغط. فوفقاً للتقرير، ترتفع تكاليف المدخلات—خاصة التعريفات الجمركية، والتأمين، والرعاية الصحية، والتكنولوجيا—بمعدل يفوق قدرة الشركات على رفع أسعار البيع.
وأفادت عدة مناطق بأن الشركات تكافح لنقل هذه الزيادات إلى المستهلكين الذين يعانون بالفعل من تآكل القدرة الشرائية، ما يؤدي إلى انكماش هوامش الربح.
هذه الديناميكية تدعم تقييم الفيدرالي بأن مخاطر التضخم تتراجع تدريجياً، لكن مخاطر النمو تتصاعد، إذ أصبحت الأرباح تمتص عبء التكاليف، وهو ما يخفف الضغوط التضخمية لكنه يحد أيضاً من قدرة الشركات على الاستثمار.
الأسواق تستعد لخفضين متتاليين
استوعبت الأسواق الرسالة بوضوح: الفيدرالي ما زال في وضع التيسير. العقود الآجلة للفائدة تُسعّر حالياً خفضاً بمقدار 25 نقطة أساس في اجتماعي أكتوبر وديسمبر للجنة السوق المفتوحة، وهو ما سيُهبط النطاق المستهدف للفائدة إلى حوالي 3.75%–4.00%.
وقال العضو ستيفن ميران مؤخراً إن الفيدرالي «يجب أن يُعيد الفائدة إلى المستوى الحيادي بسرعة»، في إشارة إلى شعور متزايد بالإلحاح داخل المؤسسة.

آفاق 2026: مساران متباينان
يتزايد انقسام الاقتصاديين بشأن مسار السياسة النقدية في عام 2026. المتفائلون يرون أن خفض تكاليف الاقتراض، وتيسير الأوضاع المالية، وتحسّن وضوح التجارة قد ينعش الثقة، ويشجع الشركات على إعادة تسريع التوظيف والاستثمار، ما قد يدفع الفيدرالي إلى التوقف بعد خفض إضافي واحد.
في المقابل، يحذّر المتشائمون من أن ارتفاع الرسوم الجمركية، وتراجع أرباح الشركات، وبرودة سوق الإسكان قد تدفع الاقتصاد إلى تباطؤ أعمق، مما قد يجبر الفيدرالي على تسريع وتيرة خفض الفائدة وربما الدخول في سياسة تحفيزية كاملة مع مطلع 2026.
بيئة شحيحة البيانات… عالية المخاطر
يؤكد «البيج بوك» ما كانت الأسواق تشتبه فيه: الاقتصاد الأميركي يفقد زخمه، لكنه لا ينهار. ومع استمرار تأخر الإحصاءات الرسمية بسبب الإغلاق الحكومي، يتحرك الفيدرالي وسط ضباب غير معتاد.
إلى أن تتحسن الرؤية، ستعتمد السياسات النقدية بدرجة أكبر على الشهادات الميدانية والبيانات الخاصة. وبالنسبة لباول، يعني ذلك الحفاظ على قدر من المرونة: تيسير كافٍ لدعم سوق العمل من دون إشعال موجة تضخمية جديدة.
في بيئة فقيرة بالبيانات وغنية بالمخاطر، عاد «البيج بوك» ليكون بوصلة الفيدرالي… واتجاهه واضح: مزيد من خفض الفائدة في الطريق.