الفضة تخترق القمة التاريخية: أصداء «الأخوين هانت» وملامح ضغط بيع حديث

بعد 45 عاماً، كسرت الفضة حاجزها التاريخي للمرة الأولى منذ «الضغط الأسطوري» الذي نفذه الأخوان هانت عام 1980. قفزت الأسعار الفورية في لندن هذا الأسبوع إلى ما فوق 53.40 دولاراً للأونصة، وسط شحّ سيولة غير مسبوق في سوق السبائك، ما دفع المتداولين والمراجحين إلى سباق محموم عبر الأطلسي.

بواسطة Ahmed Azzam | @3zzamous | 16h ago

Copied
Silver breaks through historical peak
  • الفضة تتجاوز 53.40 دولاراً للأونصة، محطمةً رقم 1980 التاريخي.

  • أزمة سيولة في لندن ترفع الفارق مع نيويورك إلى مستويات قياسية.

  • معدلات الإقراض لشهر واحد تقفز فوق 30%، في إشارة إلى ضغط السوق.

  • محللون يحذرون من تقلبات متزايدة مع شح الإمدادات وتدفق المضاربات.

اختراق تاريخي منذ أربعة عقود

شهدت الأسواق العالمية للفضة يوم الثلاثاء لحظة فارقة سيتذكرها المتداولون طويلاً: الأسعار الفورية اخترقت السقف الذي ظل صامداً منذ محاولة الأخوين هانت احتكار السوق عام 1980. وجاء هذا الاختراق وسط طلب مادي قوي، وإمدادات محدودة، وضغوط سيولة متصاعدة في لندن، التي تعد مركز المقاصة العالمي للفضة.

Silver 14-10-2025

ارتفعت الأسعار الفورية في لندن إلى 52.80 دولاراً للأونصة، متجاوزةً العلامة القديمة التي لطالما كانت رمزاً للجموح والمخاطرة. هذا الارتفاع المذهل تغذيه تدفقات الملاذات الآمنة، وانخفاض أسعار الفائدة، وتوقعات بارتفاع الطلب الصناعي من قطاعات الطاقة الشمسية والإلكترونيات بوتيرة تفوق العرض.

Silver technical analysis

أزمة سيولة في لندن وسباق عبر الأطلسي

وراء هذا الرقم القياسي تكمن أزمة سيولة حقيقية. سوق السبائك اللندني، الذي لطالما كان أعمق خزّان للمعادن الثمينة، يواجه الآن ندرة حادة في المعروض. معدلات إقراض الفضة لشهر واحد تجاوزت 30%، وهي الأعلى منذ بدء تسجيل البيانات، ما جعل الاحتفاظ بمراكز بيع قصيرة مكلفاً للغاية.

هذه الفجوة دفعت المتداولين إلى حلول لوجستية غير معتادة. مع تداول الأسعار في لندن بفارق وصل إلى 3 دولارات للأونصة فوق نيويورك، استأجرت بعض الجهات طائرات شحن لنقل السبائك فعلياً عبر الأطلسي للاستفادة من فرص المراجحة. ورغم أن الفارق تقلص لاحقاً إلى نحو 1.75 دولار، فإنه عكس بوضوح الضغوط الهيكلية المتراكمة.

يشير محللو «غولدمان ساكس» إلى أن حجم سوق الفضة الأصغر—نحو تسع حجم سوق الذهب—يُضخّم أي حركة سعرية. وفي ظل غياب مشتريات البنوك المركزية لتهدئة السوق، فإن أي انعكاس طفيف في تدفقات المستثمرين قد يؤدي إلى تقلبات حادة.

من الأخوين هانت إلى صناديق التحوط: تشريح ضغط بيع

صدى عام 1980 لا يمكن إنكاره. آنذاك، استخدم الشقيقان نيلسون وويليام هانت، وهما من أباطرة النفط في تكساس، الرافعة المالية والعقود الآجلة للسيطرة على نحو ثلث الإمدادات العالمية القابلة للتسليم. وعندما شدد المنظمون متطلبات الهامش، انفجرت الفقاعة، وهوت الأسعار من 50 دولاراً إلى أقل من 11 دولاراً خلال أشهر.

اليوم تختلف التفاصيل، لكن الهشاشة البنيوية متشابهة. بدلاً من مضاربين اثنين، يشارك الآن جيش من المستثمرين وصناديق المؤشرات وصناديق الخوارزميات في موجة مضاربة موحدة. لكن القواسم المشتركة واضحة: رافعة مالية مرتفعة، شح في المعروض، وضغوط تمويل متزايدة.

سلسلة من تخفيضات الفائدة الأمريكية، إلى جانب العجز المالي وعودة الطلب على الملاذات الآمنة، شكّلت بيئة مثالية لتفوق الفضة. صناديق المؤشرات المتداولة وسّعت حيازاتها، في حين تكافح الصناعات لتأمين احتياجاتها وسط مخزونات عند أدنى مستوياتها في خزائن لندن.

ملاذات آمنة وتوترات هيكلية

ركبت باقي المعادن الثمينة الموجة نفسها. الذهب والبلاتين والبلاديوم ارتفعت بين 55% و82% منذ بداية العام، مع تزايد مخاوف المستثمرين من التضخم والمخاطر السياسية والضبابية المالية الأمريكية.

لكن صعود الفضة تجاوز الجميع، متحوّلة من «معدن ثانوي» إلى مقياس حي لضغوط السيولة العالمية. ويقول المحللون إن هذا الأداء يعكس مزيجاً من الطلب الاستثماري ونقص العرض البنيوي، وهو ما أكدته «بنك أوف أميركا» حين رفعت توقعاتها لسعر الفضة في 2026 من 44 إلى 65 دولاراً للأونصة.

ضباب السياسات يضيف توتراً جديداً

يزيد من تعقيد المشهد ترقّب الأسواق لنتائج تحقيق الحكومة الأمريكية بموجب المادة 232 بشأن المعادن الحيوية، ومن ضمنها الفضة والبلاتين والبلاديوم. المخاوف من فرض رسوم أو قيود تصدير جديدة أدخلت عاملاً جيوسياسياً إضافياً إلى سوق مضغوط أصلاً.

ومع استمرار العجز في المعروض، وتوسع الرهانات المضاربية، وعدم اليقين التنظيمي، أصبحت الفضة أكثر عرضة للتقلبات من أي وقت مضى. أي تحولات إضافية في سياسات بنك اليابان أو الاحتياطي الفيدرالي قد تؤدي إلى موجة تقلب جديدة.

هل تعود قصة الأخوين هانت من جديد؟

يبقى السؤال المفتوح: هل المقارنة مع 1980 نبوءة أم مبالغة؟ الإجابة تعتمد على كيفية معالجة أزمة السيولة الحالية. استمرار شح المعروض مع غياب تدخل البنوك المركزية قد يدفع الفضة لمواصلة اندفاعها حتى العام المقبل. أما إذا انقلبت مراكز المضاربة فجأة، فقد نشهد تصحيحاً لا يقل درامية عن الارتفاع.

ما هو واضح أن الفضة استعادت موقعها في قلب مشهد الأسواق العالمية، لا كمجرد ذكرى من الماضي، بل كمؤشر حي على التوتر المالي العالمي. بعد 45 عاماً من سقوط الأخوين هانت، يبدو أن «الملف غير المنجز» يعود للواجهة مع جيل جديد من المتداولين.

Copied