نمو الأجور، التضخم، ومستقبل خفض أسعار الفائدة

بات نمو الأجور في الولايات المتحدة في صميم اهتمام الأسواق، حيث يراقب المستثمرون وصنّاع القرار عن كثب أي إشارات على تباطؤ التضخم أو عودته للارتفاع في أكبر اقتصاد في العالم. ورغم أن سوق العمل أظهر بعض الإشارات المبكرة على التراجع مقارنة بزخمه القوي بعد الجائحة، إلا أن الأجور لا تزال أحد أكثر مكونات التضخم حساسية وتأثيراً.

بواسطة يزيد أبو سماقة | @Yazeed Abu Summaqa | 13h ago

Copied
image-20240508-143508
  • أظهر نمو الأجور مرونة رغم تباطؤ وتيرة التوظيف.

  • أي تسارع في الأجور قد يعيد مخاوف بقاء التضخم مرتفعاً لفترة أطول.

  • أستقرار سوق العمل مع اعتدال نمو الأجور يمنح الاحتياطي الفيدرالي مساحة لخفض الفائدة.

إشارة اقتصادية حاسمة

تلعب الأجور دوراً محورياً في الاقتصاد الأمريكي، إذ تؤثر مباشرة في القوة الشرائية للأسر، وثقة المستهلكين، ومستوى الطلب العام. عندما ترتفع الأجور بوتيرة صحية ومضبوطة، فإنها تدعم الاستهلاك دون توليد ضغوط تضخمية مفرطة. أما عندما يتسارع نمو الأجور بشكل كبير، فإنه يعزز الضغوط التضخمية عبر ارتفاع تكاليف الإنتاج وزيادة الطلب الاستهلاكي. وقد أثبت نمو الأجور أيضاً أنه أداة قوية لكسب الدعم الشعبي، كما حدث في الفترة التي سبقت عام 2021، حيث عزّزت زيادة الدخل الثقة والإنفاق. إلا أن تلك الموجة القوية من الطلب ساهمت لاحقاً في ارتفاع حرارة الاقتصاد، لتدفع التضخم في الولايات المتحدة إلى أعلى مستوياته منذ عقود عند 9.1%. وفي الأشهر الأخيرة، واصل نمو الأجور إظهار مرونة رغم تراجع نشاط التوظيف، وهو ما خلق صورة مزدوجة: من جهة لا يزال المستهلكون يتمتعون بدعم الدخل، ومن جهة أخرى فإن استمرار قوة الأجور قد يعرقل مسار تراجع التضخم الذي يعمل عليه الاحتياطي الفيدرالي.

بين صعود الأجور ومخاوف التضخم

أصبحت الأسواق شديدة الحساسية تجاه بيانات سوق العمل والتضخم المرتقبة، خاصة بيانات التوظيف في القطاع الخاص، والوظائف غير الزراعية، وتقارير نمو الأجور، ومؤشرات نشاط قطاع الخدمات. كما أن ارتفاع الأجور، إلى جانب التوجه المنتظر نحو التيسير الكمي وارتفاع احتمالات خفض الفائدة في ديسمبر إلى ما يقارب 90%، جعل بيانات التضخم في الأشهر المقبلة ذات أهمية استثنائية. أي تسارع غير متوقع في نمو الأجور، بالتزامن مع سياسة نقدية أكثر مرونة، قد يعيد إشعال المخاوف من عودة التضخم للارتفاع. وفي هذا المناخ القائم على البيانات، فإن أي انحراف بسيط عن التوقعات يمكن أن يطلق تحركات حادة في أسواق الأسهم والسندات والعملات.

fedwatch

المصدر: CME Group

التيسير الكمي قيد التنفيذ

مع بدء التيسير الكمي، أصبح نمو الأجور متغيراً أكثر حساسية بالنسبة لصنّاع السياسة النقدية. فالاحتياطي الفيدرالي لا يراقب أرقام التضخم الرئيسية فحسب، بل يركز أيضاً على ما إذا كانت ضغوط الأجور تتغذى في دورة تضخم أوسع وأكثر استدامة. وإذا واصلت الأجور الارتفاع بوتيرة تفوق الإنتاجية، فستصبح هياكل التكاليف لدى الشركات أعلى بشكل هيكلي، ما يجعل عودة التضخم بشكل مستدام إلى هدف 2% أمراً بالغ الصعوبة، ويهدد سيناريو الهبوط السلس للتضخم ولهذا يكرر صناع القرار التأكيد على اتباع نهج «يعتمد على البيانات». فاستقرار سوق العمل مع اعتدال نمو الأجور سيمنح الفيدرالي مرونة أكبر لخفض الفائدة بثقة دون المخاطرة بعودة التضخم. وحتى الآن، لا تزال الأسواق وصناع القرار في وضع الترقب والانتظار. وكل تقرير للأجور أو التوظيف أو التضخم يمكن أن يعيد تشكيل التوقعات من جديد. وإلى أن تتضح الاتجاهات بصورة أدق، من المرجح أن تبقى مستويات التقلب مرتفعة في الأسواق المالية.

Copied