أرباح إنفيديا تصل في لحظة يصبح فيها وول ستريت قلقاً فجأة من إنفاق الذكاء الاصطناعي
تصل أرباح إنفيديا القوية في وقت بدأت فيه الأسواق تتساءل عمّا إذا كانت طفرة الإنفاق العالمي على الذكاء الاصطناعي قابلة للاستمرار. ومع ضخّ عمالقة التكنولوجيا مئات المليارات في البنية التحتية، قد تساعد نتائج قوية في تهدئة سوق متوتر — أو تؤكد أن التوقعات قفزت أسرع بكثير من الواقع.
المحلّلون يتوقعون نمواً بأكثر من 50% في الإيرادات والأرباح خلال الربع المالي الثالث لإنفيديا
شركات التكنولوجيا العملاقة تستعد لزيادة إنفاق الذكاء الاصطناعي 34% إلى 440 مليار دولار خلال 12 شهراً
سهم إنفيديا تراجع بنحو 15% خلال الأسابيع الأربعة الماضية مع انحسار حماس السوق تجاه الذكاء الاصطناعي
مضاعف الربحية الآجلة ينخفض إلى 29 مرة، أدنى من متوسطه لعشر سنوات
الأسواق تترقب فيما تستعد إنفيديا للكشف عن الوجهة الحقيقية لمليارات الذكاء الاصطناعي
وول ستريت يستعد لليلة حساب. بعد شهور من موجة إنفاق انفجارية على بنية الذكاء الاصطناعي، يستعد المستثمرون أخيراً لإلقاء نظرة تحت الغطاء: إنفيديا تعلن نتائجها بعد إغلاق السوق. بخلاف الفصول السابقة، حيث كانت كل قراءة قوية تدفع بأسهم التكنولوجيا إلى مدارات جديدة، تأتي هذه المرة بنبرة حذرة وواضحة.
تحولت إنفيديا إلى مركز الجاذبية في طفرة الذكاء الاصطناعي؛ السهم الذي يحرّك المؤشر، والشركة التي تقود المزاج العام للسوق. ومع تعرض الأسهم لضغوط واسعة، يبحث المستثمرون عن إجابة بسيطة لسؤال معقّد: هل سيظل إنفاق الذكاء الاصطناعي الهائل منطقياً من حيث العائد، أم أن السوق بنى قصة أكبر من قدرة الواقع على اللحاق بها؟
رهان عمالقة التكنولوجيا: 440 مليار دولار على الذكاء الاصطناعي خلال 12 شهراً
التوقعات مرتفعة لدرجة خطرة. تقديرات المحلّلين تشير إلى نمو يتجاوز 50% في صافي الدخل والإيرادات على حد سواء، مدفوعاً بطلب شبه نهم على معالجات إنفيديا من جانب مايكروسوفت وأمازون وألفابت وميتا. هذه الشركات الأربع وحدها — والتي تمثل أكثر من 40% من مبيعات إنفيديا — يُنتظر أن ترفع إنفاقها على الذكاء الاصطناعي بنسبة 34% ليصل إلى نحو 440 مليار دولار خلال العام المقبل.
لكن هذا السيناريو يستند إلى أرضية يمكن أن تهتزّ سريعاً. أي تباطؤ في الإنفاق من جانب اللاعبين الكبار أو حتى من شركات غير مدرجة مثل «أوبن إيه آي» كفيل بإعادة رسم مسار الإيرادات. بعد سلسلة من الفصول التي رفعت فيها الشركات توقعاتها مراراً، دخلت الشركات المدرجة في حلقة خطيرة: وعود كبيرة يجب أن تقابلها أرقام أكبر في كل مرة، وإلا انقلب المزاج في لحظات.
تراجع إنفيديا يهزّ السوق مع انحسار نشوة الذكاء الاصطناعي
سعر سهم إنفيديا يروي جزءاً من القلق الحالي. السهم هبط بأكثر من 15% منذ أن لامس قمته القياسية قبل أربعة أسابيع فقط، في إشارة إلى سوق بدأت تشكّ في قدرة الطلب على الذكاء الاصطناعي على مواصلة ابتلاع كل هذا الكم من رأس المال.

ومع ذلك، تبقى إنفيديا إحدى أبرز قصص 2025 في السوق؛ السهم لا يزال مرتفعاً بنحو 35% منذ بداية العام، متقدماً بفارق مريح على مكاسب مؤشر ناسداك 100 البالغة نحو 17%. من منظور التقييم، أدى هذا التصحيح إلى جعل السهم يبدو «أقل مبالغة»؛ فمضاعف الربحية على أساس الأرباح المتوقعة انخفض إلى نحو 29 مرة، مقارنة بمتوسط تاريخي يناهز 35 مرة خلال العقد الماضي.

بالنسبة لشركة تنمو بهذه السرعة، يجادل مستثمرون مثل سكوت مارتن بأن هذه المستويات لا تبدو متطرفة كما قد توحي العناوين الرئيسية، رغم أن قدرة السوق على تحمّل أي خيبة في الأرقام أصبحت أقل بكثير.
يعكس مخطط مراجعات ربحية السهم (EPS) في إنفيديا كيف ارتفعت توقعات الأرباح بالتوازي مع صعود السهم، إذ تشير التقديرات حالياً إلى ربحية معدلة تقارب 1.26 دولار في الربع الثالث من السنة المالية 2026 و1.44 دولار في الربع الرابع، وهي مستويات أعلى بعدة مرات من تقديرات عام 2022 مع توسّع دورة الاستثمار في الذكاء الاصطناعي وتعاظم قدرة الشركة على تحقيق الأرباح.

تُظهر لوحة المحللين في بلومبرغ لسهم إنفيديا موقفاً متفائلاً بقوة، إذ يمنح 72 من أصل 79 محللاً (بنسبة 91%) السهم توصية "شراء" مقابل توصية "بيع" واحدة فقط، مع سعر مستهدف لمدة 12 شهراً يقترب من 237 دولاراً مقارنة بسعر حالي يقارب 181 دولاراً، ما يعني فرصة صعود تقارب 31% فوق مكاسب بنحو 23% حققها السهم خلال العام الماضي.

ما الذي يركز عليه المستثمرون؟ أرقام «بلاكويل»، هوامش مراكز البيانات، والتوجيه المستقبلي
أعين السوق ستكون مركزة على ثلاثة محاور رئيسية في تقرير الأرباح:
- الطلب على شرائح «بلاكويل»: الجيل التالي من معالجات إنفيديا والمحرّك المحتمل لموجة إيرادات جديدة.
- هوامش قطاع مراكز البيانات: هذا القطاع بات يساهم بنحو 90% من المبيعات، وأي تآكل في هوامشه سيُقرأ كإشارة تحذير.
- التوجيه المستقبلي (Guidance): المؤشر الأهم لاتجاه السهم، حيث يتضخم تأثيره في بيئة حساسة مثل الحالية.
مديرو الصناديق يتوقعون ربعاً قوياً آخر من حيث الأرقام الفعلية، لكن التوجيه هو «البطاقة المجهولة». في مناخ يطغى عليه الحذر، يمكن حتى لنبرة حذرة في توقعات الإدارة أن تطغى على نتائج تشغيلية قوية، وتحوّل جلسة يفترض أن تكون إيجابية إلى موجة بيع جديدة.
النمو لا يزال قوياً… لكن مؤشرات التباطؤ باتت واضحة
من حيث الأرقام المجردة، ما تزال وتيرة نمو إنفيديا خارج المألوف مقارنة بمعظم الشركات المدرجة. لكن تباطؤها أصبح ملموساً على جداول التوقعات بدلاً من أن يكون مجرد افتراض نظري. تقديرات النمو تشير إلى:
- نمو في الإيرادات بنحو 60% في السنة المالية 2026
- ثم 41% في 2027
- ثم 22% في 2028

لا تزال هذه أرقاماً ضخمة بمقاييس السوق التقليدية، لكنها أقل بكثير من نمط «النمو الفائق» الذي اعتاد عليه المستثمرون خلال الدورات الأولى من طفرة الذكاء الاصطناعي، حيث كان أي رقم دون الثلاثة أرقام يُعد خيبة أمل.
انقسام صناديق التحوط مع تصاعد مخاوف فقاعة الذكاء الاصطناعي
صناديق التحوط منقسمة بشكل لافت. صندوق الملياردير بيتر ثيل خرج تماماً من مركزه في إنفيديا. «سوفت بنك» باع حصته أيضاً لتمويل رهانات أخرى في مجال الذكاء الاصطناعي. مايكل بَري — الذي اشتهر بالتنبّه المبكر لأزمة 2008 — اختار شراء خيارات بيع على السهم، محذّراً من «فقاعة» تغذيها قصة الذكاء الاصطناعي.
وعبر 909 صندوق تحوط قدّمت إفصاحاتها من نوع 13F، يكاد الانقسام يبدو متساوياً: نصف الصناديق تقريباً زاد تعرضه لإنفيديا، والنصف الآخر خفّضه. ما إذا كان هذا الخروج يعكس تشككاً حقيقياً في القصة الأساسية أم مجرد جني أرباح بعد مكاسب استثنائية، يبقى سؤالاً مفتوحاً في الوقت الحالي.
الرهانات على المحك: اختبار لوعد التريليون دولار في الذكاء الاصطناعي
لعام كامل تقريباً، كانت إنفيديا بمثابة محرك رئيسي لحركة السوق. شرائحها تشغّل كل شيء: من روبوتات الدردشة إلى السيارات ذاتية القيادة إلى نماذج الذكاء الاصطناعي المتقدمة. لكن السؤال الأوسع لم يُحسم بعد: هل يمكن لحجم السوق الكلّي للبنية التحتية الخاصة بالذكاء الاصطناعي أن يبرّر هذا السيل من الإنفاق، أم أن جزءاً من القصة يعتمد على توقعات لا تزال في خانة الوعد أكثر من الواقع؟
نتائج إنفيديا لن تحسم الجدل نهائياً، لكنها ستحدد نبرة النقاش في الأسواق العالمية مع اقتراب نهاية العام، في لحظة بدأ فيها اليقين بقصة الذكاء الاصطناعي يتحوّل تدريجياً من قناعة راسخة إلى رهان عالي المخاطر يحتاج إلى مزيد من الأدلة.