اتفاق أميركي–صيني يمنح العالم فسحة زمنية لا استقرارًا دائمًا للتجارة العالمية

تستعد الولايات المتحدة والصين لتمديد هدنة الرسوم الجمركية وتأجيل قيود تجارية جديدة خلال قمة ترامب–شي في سيول في 30 أكتوبر. الخطوة قد تمنح الأسواق فرصة لالتقاط الأنفاس، لكنها لا تقدم حلولًا حقيقية للصراع الأعمق بين أكبر اقتصادين في العالم، حيث يظل التنافس الجيوسياسي والتكنولوجي هو المحرك الأساسي لمعادلة التجارة الدولية في المرحلة المقبلة.

بواسطة Ahmed Azzam | @3zzamous | 28 أكتوبر 2025

US-China deal
  • اتفاق تجاري محدود متوقع توقيعه بين ترامب وشي في 30 أكتوبر.

  • تأجيل القيود الصينية على تصدير المعادن الحيوية مقابل تخفيف أميركي للرسوم.

  • متوسط الرسوم الأميركية على السلع الصينية يبقى قرب 40%.

  • هدنة تكتيكية لا تسوية استراتيجية للصراع التجاري.

هدنة هشة في عالم يتشظى تجاريًا

توصّل مفاوضو الجانبين إلى إطار عملي يهدف لاحتواء الضرر بدل إنهاء الخلاف، إذ يتضمن الاتفاق السماح باستمرار تدفق المعادن الحيوية التي يعتمد عليها الإنتاج الغربي، وإحياءًا جزئيًا للصادرات الزراعية الأميركية إلى الصين، وتعليق أي تصعيد جديد في الرسوم. بالنسبة لبكين، فإن بقاء الرسوم عند مستويات مرتفعة ولكن أقل مما كان مهددًا يمنحها فرصة للتعامل مع ضعف الطلب المحلي وتسريع خطط الاكتفاء التكنولوجي. وواشنطن بدورها تستفيد من إبقاء سلاسل الإمداد للصناعات الحساسة متماسكة، مع تقديم إشارة إيجابية للولايات الزراعية التي تترقب تأثيرات الحرب التجارية عن كثب. ما يحدث هو تثبيت مؤقت لجبهة اقتصادية لا تزال قابلة للاشتعال في أي لحظة.

التجارة تتحول إلى سلاح نفوذ لا أداة كفاءة

الاتفاق المرتقب يكشف تحوّلًا عميقًا في بنية التجارة العالمية؛ فالمنافسة لم تعد تُقاس بميزان الكفاءة الاقتصادية وحدها، بل بميزان النفوذ السياسي والقوة الصناعية. وحتى إن تم إقرار هدنة، ستظل الشكوك متجذرة بين واشنطن وبكين فيما يتعلق بالسيطرة على التكنولوجيا المتقدمة، والملكية الفكرية، والتوازنات الحساسة في تايوان. الاتفاق المحدود سيقدّم صورًا دبلوماسية هادئة، لكن خلف الأبواب، تستمر الأسئلة الجوهرية بلا إجابة: من سيكتب قواعد اللعبة التجارية في المستقبل؟ وأي طرف سيتحمل تكلفة إعادة تشكيلها؟

آسيا في قلب الارتدادات الجانبية للصراع

جولات ترامب الاقتصادية الأخيرة في جنوب شرق آسيا أسفرت عن تفاهمات أولية مع كمبوديا وماليزيا وتايلاند وفيتنام، في مؤشر على مسعى أميركي لتشكيل شبكة بديلة للنفوذ الصيني في المنطقة. لكن المكاسب الجمركية التي تحصل عليها تلك الدول قد تحمل في طياتها تكلفة استراتيجية أعلى، إذ تجد اقتصادات المنطقة نفسها مطالبة بالاصطفاف الواضح مع أحد القطبين، في وقت تميل فيه مصالحها إلى الحياد والتنوّع. النتيجة أن آسيا تتحول إلى ساحة تنافس اقتصادية صامتة، يتحدد فيها مستقبل سلاسل التوريد العالمية.

خريطة الرسوم تتغير… والنظام التجاري يعيد رسم نفسه

منذ بداية الحرب التجارية، ارتفع متوسط الرسوم الأميركية من 2% في 2024 إلى 16% اليوم. الاتفاق المرتقب لن يعيد هذا المنحنى إلى الخلف، بل سيحافظ عليه مرتفعًا ضمن حدود محسوبة. وتشير تحليلات اقتصادية إلى ثلاثة مسارات محتملة لمستقبل السياسات الأميركية: بقاء الرسوم عند مستويات مرتفعة قابلة للإدارة، أو تعميق التحالفات التجارية لعزل الصين، أو تعزيز نموذج “حصن أميركا الشمالية” الذي يعيد سلاسل التوريد إلى الداخل. كل خيار يفرض على الدول الصغيرة والمفتوحة اقتصاديًا تحديات مختلفة، ويجعل من المرونة الاقتصادية شرطًا أساسيًا للبقاء.

ارتدادات في أميركا اللاتينية ودلالات مالية جديدة

التحوّلات لا تقتصر على آسيا، فالأرجنتين — برغم أوضاعها المالية الصعبة — شهدت تفاؤلًا لافتًا بعد فوز حزب الحرية بقيادة خافيير ميلي في الانتخابات النصفية. الدعم الأميركي المتصاعد لبوينس آيرس وتحركات واشنطن في سوق البيزو يشيران إلى أن السياسة التجارية باتت تتداخل مع النفوذ المالي الدولي، في معادلة تزداد تأثيرًا في رسم توازنات الأسواق الناشئة.

أوروبا تحاول دخول سباق الرقائق بقدرات مالية محدودة

رغم إطلاق الاتحاد الأوروبي خطة للرقائق الإلكترونية بقيمة 43 مليار يورو، فإن الدعم المباشر من بروكسل لا يتجاوز 3.3 مليار يورو، بينما يعتمد الباقي على مزيج من الدعم الوطني واستثمارات القطاع الخاص. الاتحاد لا يمتلك لاعبًا محوريًا في الشرائح المتقدمة، لكنه يحافظ على تفوق في مكونات بالغة الأهمية مثل معدات تصنيع الرقائق والرقائق الكهربائية. قد لا تكون أوروبا قادرة على تقليد وادي السيليكون أو منافسة شنجن، لكنها تظل جزءًا لا يمكن الاستغناء عنه في هندسة التكنولوجيا الغربية.

استراحة لا سلام… ونظام عالمي يعيد تعريف تجارته

قمة ترامب–شي المقبلة ليست نقطة تحول بقدر ما هي لحظة لالتقاط الأنفاس. فالتجارة العالمية لا تزال تتحرك نحو مزيد من التسييس والانقسام، وسلاسل الإمداد تتجه أكثر نحو الإقليمية، والثقة بين الطرفين تتآكل تدريجيًا. هدنة 30 أكتوبر قد تُسكّن المخاوف مؤقتًا، لكنها لا تقدم أي دليل على أن المواجهة الطويلة بين أكبر اقتصادين في العالم شارفت على نهايتها. فالعالم يحصل على هدنة قصيرة… لكنه لا يزال بعيدًا عن السلام التجاري.