استراتيجية الصين في الذهب: استقطاب الاحتياطيات الأجنبية لإعادة تشكيل النظام المالي العالمي

تسعى الصين إلى أن تصبح حاضنة لاحتياطيات الذهب السيادية الأجنبية عبر بورصة شنغهاي للذهب (SGE). ومن خلال تشجيع الدول الشريكة على شراء الذهب وتخزينه داخل حدودها، تعمل بكين على تعزيز دورها في النظام المالي العالمي، وتقليص الاعتماد على الدولار الأميركي، وتوسيع نفوذها النقدي. تأتي هذه الخطوة وسط تصاعد مشتريات البنوك المركزية من الذهب إلى مستويات قياسية، وتوترات جيوسياسية متزايدة، وارتفاع أسعار الذهب فوق 3,700 دولار للأونصة.

بواسطة Ahmed Azzam | @3zzamous | 24 سبتمبر 2025

Gold and China
  • الصين تقترح استضافة احتياطيات الذهب للبنوك المركزية عبر بورصة شنغهاي.

  • المبادرة تنسجم مع أهداف "التخلص من هيمنة الدولار" وتعزيز اعتمادية اليوان.

  • لندن ما تزال مركز الحفظ الأكبر، لكن الصين ترى فرصة للمنافسة.

تحول استراتيجي في حفظ الذهب

يقود بنك الشعب الصيني خطة تهدف إلى جذب البنوك المركزية، خصوصًا من الدول الصديقة أو غير المنحازة، لشراء الذهب وتخزينه في مستودعات مرتبطة بلوحة التداول الدولية لبورصة شنغهاي (أُطلقت عام 2014 لفتح السوق أمام الأجانب تحت إشراف البنك المركزي). وعلى عكس فكرة نقل الاحتياطيات القديمة من لندن أو نيويورك، يركز هذا البرنامج على المشتريات الجديدة، لتقليل حساسية الدول المترددة في تغيير مواقع تخزينها التقليدية.

بورصة شنغهاي، التي تأسست عام 2002، أصبحت اليوم الأكبر عالميًا في تداول الذهب المادي، حيث عالجت 54,000 طن في 2023 أي ما يعادل نحو 75% من حجم التداول العالمي. هذه الهيمنة تمنح بكين منصة قوية لتوسيع خدمات الحفظ.

لماذا الآن؟ الجغرافيا السياسية وفك الارتباط بالدولار

توقيت هذه المبادرة ليس مصادفة. فبعد تجميد 300 مليار دولار من احتياطيات روسيا عام 2022، أدركت البنوك المركزية المخاطر الكامنة في الحفظ داخل الغرب، فاتجهت إلى التنويع. بالفعل، بلغت مشتريات الذهب الرسمية في 2022 حوالي 1,037 طن، وهو أعلى مستوى منذ 1967.

ارتفاع الذهب إلى حدود 3,790 دولارًا للأونصة في سبتمبر 2025، أي ما يقارب ضعف قيمته قبل عامين، يعكس أهمية المعدن كملاذ استراتيجي. وبالنسبة لبكين، فإن تقديم خدمات الحفظ يعزز مساعيها لتقليص الاعتماد على الدولار، ويدعم تدويل اليوان، ويقوي الروابط المالية الثنائية مع الدول الشريكة.

Gold

موقع الصين في سوق الذهب

  • الاحتياطيات: 2,235 طن (2024)، خامس أكبر مالك عالمي، لكنها لا تزال أقل من نصف احتياطيات بنك إنجلترا.
  • نسبة الذهب في الاحتياطيات: 4.9% فقط من إجمالي الأصول الأجنبية، ما يترك مجالًا واسعًا للنمو.
  • الاستهلاك المحلي: 943 طن في 2023، لتصبح الصين أكبر سوق استهلاكي عالمي للذهب.
  • البنية التحتية: توسع SGE إلى هونغ كونغ في 2025، مع أكثر من 20 مصفاة محلية بطاقة إجمالية تتجاوز 2,000 طن سنويًا.

لندن مقابل شنغهاي: منافسة على الحفظ

لا تزال لندن المركز العالمي الأول، حيث يحفظ بنك إنجلترا أكثر من 5,000 طن من الاحتياطيات الأجنبية، بينما تسيطر رابطة سوق لندن للسبائك (LBMA) على 90% من التداول خارج البورصات. قوة لندن تكمن في الثقة والسيولة والمعايير التاريخية الراسخة.

لكن الصين تراهن على الجيوسياسة: تقديم ملاذ آمن من مخاطر العقوبات. قد تتحفظ بعض البنوك المركزية بسبب ضعف السيولة مقارنة بلندن، إلا أن الأسواق الناشئة ترى قيمة استراتيجية في تنويع مواقع الحفظ.

تداعيات مالية عالمية

  • تنويع الاحتياطيات: التحول نحو الذهب يقلل الاعتماد على الدولار.
  • أثر السوق: الطلب الإضافي قد يدفع الأسعار إلى مستويات قياسية جديدة، مع توقعات بعض البنوك (مثل غولدمان ساكس) ببلوغ 5,000 دولار للأونصة إذا حُولت 1% فقط من حيازات الخزانة الأميركية إلى ذهب.
  • نظام مالي متعدد الأقطاب: هذه المبادرة تكمل أنظمة مثل CIPS (بديل الصين لـ SWIFT) واليوان الرقمي، ما يعزز دور بكين في شبكات مالية موازية.

فوائد ومخاطر للدول المشاركة

الفوائد:

  • تقليل الاعتماد على الأصول المقومة بالدولار.
  • حماية من العقوبات الغربية.
  • تعزيز العلاقات الاقتصادية مع الصين.

المخاطر:

  • سيولة أقل مقارنة بلندن.
  • ضغوط سياسية محتملة من الحلفاء الغربيين.
  • تساؤلات حول الضمانات القانونية وحرية الوصول للأصول داخل الصين.

خطة الصين لتخزين الذهب ليست مجرد خدمة مالية، بل استراتيجية جيوسياسية. فإلى جانب أنظمة الدفع الرقمية وتدويل اليوان، تبني بكين منظومة مالية بديلة. وبالنسبة للدول التي تبحث عن أمان من العقوبات أو عن تنويع احتياطياتها، قد يصبح الذهب المخزن في الصين خيارًا مغريًا.

إذا نجحت هذه المبادرة، فإنها قد تمثل بداية تحول عميق يحد من هيمنة الدولار ويعزز موقع الصين كقطب مالي عالمي.