خطاب باول الأخير في جاكسون هول قد يعصف بعوائد السندات
قد يشكل ظهور جيروم باول الأخير في منتدى جاكسون هول كرئيس للفيدرالي نقطة تحول في توقعات الأسواق تجاه أسعار الفائدة، مع احتمالات إعادة تسعير حادة في عوائد السندات القصيرة الأجل.
يتمتع باول بتاريخ من استخدام جاكسون هول لإعادة ضبط توقعات السياسة، من متشددة في عام 2022 إلى متساهلة في عام 2023
تمنحه بيانات التضخم الأخيرة غطاء لتبني نبرة متشددة على الرغم من ضعف سوق العمل
ربما يكون التجار يقللون من شأن مخاطر التضخم الراسخ وتأثيرات الرسوم الجمركية
إن التحولات السياسية في مجلس الاحتياطي الفيدرالي ونفوذ ترامب قد يضيفان ضغوطا تميل إلى التيسير الكمي، ولكن من المرجح أن يدافع باول عن مصداقيته
إرث باول في جاكسون هول
لطالما كان جاكسون هول بالنسبة لباول أكثر من مجرد مؤتمر أكاديمي. ففي عام 2022 ألقى أحد أكثر خطاباته تشددًا، محذرًا من أن سياسة "الفائدة المرتفعة لفترة أطول" قد تجلب "الألم" للأسر والشركات، وهو ما دفع مؤشر S&P 500 للهبوط 17% خلال أسابيع. أما في 2023، ومع تسارع التباطؤ التضخمي، غيّر نبرته جذريًا وألمح إلى بداية دورة خفض للفائدة، تبعها أول قرار بالتيسير في سبتمبر.
أما هذا العام، وتحت عنوان "أسواق العمل في مرحلة انتقالية"، سيكون خطاب باول بمثابة رسالته الأخيرة قبل انتهاء ولايته. ومع تولي ترامب مهمة اختيار خليفته، يسعى باول لتأكيد استقلالية الفيدرالي وإعادة تثبيت توقعات السياسة النقدية.
التضخم في مواجهة ضعف سوق العمل
تجد الأسواق نفسها بين قوتين متضاربتين. فمن جهة، أظهر تقرير الوظائف لشهر يوليو تباطؤًا صادمًا، مع نمو ضعيف للوظائف ومراجعات هبوطية للأشهر السابقة، ما هز الثقة في سوق العمل ودفع عوائد السندات لأجل عامين للانخفاض 27 نقطة أساس. ومن جهة أخرى، جاءت بيانات التضخم (CPI وPPI) لتؤكد أن الضغوط السعرية لم تنتهِ بعد، مع بقاء الخدمات والأجور في مسار صعودي، وتأثير الرسوم الجمركية في رفع أسعار السلع.
عقود التضخم الآجلة لعام واحد تشير إلى 3.3%، ما يعكس شكوك المتداولين في قدرة الفيدرالي على بلوغ مستهدف 2% قريبًا. هذا يمنح باول غطاءً لتبني خطاب متشدد، محذرًا من أن التيسير الذي تسعّره الأسواق لا يتوافق مع ديناميكيات التضخم الفعلية.
هشاشة العوائد القصيرة الأجل
الجزء القصير من منحنى العائد يبدو الأكثر عرضة للتصحيح. فقد بالغ المستثمرون في تسعير خفض الفائدة، ما جعل عوائد السنتين "سابقة لزمنها" مقارنة بصلابة التضخم. إذا قرر باول مواجهة هذا التوجه، قد نشهد حركة bear-flattening حيث ترتفع العوائد القصيرة بوتيرة أسرع من الطويلة.
التاريخ يثبت أن جاكسون هول كان دائمًا محركًا قويًا للأسواق: في 2022 قفزت عوائد السنتين 105 نقاط أساس بعد خطابه المتشدد، بينما أدى انعطافه نحو التيسير في 2023 إلى هبوطها 76 نقطة أساس. ومع بقاء تقلبات الأصول منخفضة، فإن أي رسالة قوية هذه المرة قد تُحدث صدمة سريعة.
السياسة والضغوط داخل الفيدرالي
تشهد تركيبة الفيدرالي الداخلية تغيرات مهمة. فقد رشح ترامب ستيفن ميران لعضوية مجلس المحافظين، المعروف برؤيته الداعية إلى أن سياسات ترامب التجارية والهجرية والتنظيمية ذات طبيعة انكماشية، وبالتالي فهي مبرر للتيسير. انضمامه قد يقوّي الجبهة الداعية لسياسات أكثر مرونة، إلى جانب ميشيل بومان وكريستوفر والر اللذين خالفا باول في اجتماع يوليو.
وزير الخزانة سكوت بيسنت ألمح هو الآخر إلى أن أسعار الفائدة الحالية أعلى بـ 150 – 175 نقطة أساس مما ينبغي، قبل أن يتراجع عن موقفه. في المقابل، تُظهر قواعد السياسة التقليدية مثل قاعدة تايلور أن سعر الفائدة قد يحتاج أن يكون أعلى لا أقل. هذا التباين يبرز حجم الضغوط السياسية التي يواجهها باول أثناء سعيه لتثبيت التوقعات.
الحجة ضد خفض عميق للفائدة
رغم الأصوات المطالبة بالتيسير السريع، فإن الأساسيات لا تدعم خفضًا كبيرًا للفائدة. النمو ما زال متماسكًا، والأوضاع المالية فضفاضة، واحتمالات الركود تراجعت. التقدم في خفض التضخم الأساسي توقف عند حدود 3%، ما يعقد السردية. صحيح أن سوق العمل أظهر علامات ضعف، لكن لا مبرر كافٍ لإطلاق دورة خفض حادة دون الإضرار بمصداقية الفيدرالي في مكافحة التضخم.
لذلك يبقى جاكسون هول هو منصة باول الأخيرة لتذكير الأسواق بأن المصداقية تُبنى على الانضباط. خطاب قوي قد يعيد ضبط العوائد، ويكبح آمال التيسير السريع، ويمهد الطريق لمسار أكثر حذرًا حتى عام 2026.