انتهاء الإغلاق الحكومي الأمريكي بعد 43 يومًا... لكن الأضرار الاقتصادية وغياب البيانات مستمران
بعد 43 يومًا من الإغلاق الجزئي، عادت الحكومة الفيدرالية الأمريكية أخيرًا إلى العمل. الرئيس دونالد ترامب وقّع مشروع قانون إنفاق مؤقت يعيد فتح الوكالات، ويعيد ملايين الموظفين الفيدراليين إلى وظائفهم، ويستأنف البرامج المجمّدة — ولكن فقط حتى 30 يناير، حين يحلّ الموعد النهائي التالي. الأضرار الاقتصادية، وتراكم الأعمال، وانقطاع البيانات الرسمية ستستمر آثارها إلى ما بعد المصافحة السياسية.
أطول إغلاق حكومي في تاريخ الولايات المتحدة ينتهي بعد 43 يومًا.
مكتب الميزانية في الكونغرس يقدّر خسارة في نمو الناتج المحلي الإجمالي بنحو 1.5 نقطة مئوية خلال الربع الحالي.
بيانات الوظائف والتضخم لشهر أكتوبر يُرجّح ألا تُنشر أبدًا، ما يترك الفيدرالي في “منطقة عمياء”.
التمويل الجديد يمتد حتى 30 يناير فقط، ما ينذر بجولة جديدة من المواجهة.
الإغلاق ينتهي بعد مواجهة قياسية
انتهى رسميًا أطول إغلاق حكومي في تاريخ الولايات المتحدة بعد توقيع الرئيس دونالد ترامب على مشروع تمويل مؤقت أقرّه الكونغرس الأربعاء. يعيد القرار تفعيل عمل معظم الوكالات الفيدرالية ويعيد نحو مليوني موظف مدني إلى أعمالهم بعد أكثر من شهر من توقف الرواتب عن كثير منهم.
الإغلاق، الذي بدأ في الأول من أكتوبر، جمّد مساعدات الغذاء لملايين الأسر منخفضة الدخل، وأربك عمل المطارات، وشلّ مهام أساسية في الوكالات الحكومية، من التفتيشات الأمنية إلى جمع البيانات الاقتصادية. ومع توقيع القانون، بدأت الدوائر الفيدرالية عملية إعادة تشغيل الأنظمة واستدعاء الموظفين وإزالة تراكم ستة أسابيع من الأعمال المتوقفة.
مسؤولو النقل والطيران حذروا من أن العودة الكاملة إلى الوضع الطبيعي لن تكون فورية؛ فمن المتوقع أن تستغرق عمليات الجدولة في المطارات الرئيسية نحو أسبوع حتى تستقر، مع إعادة توزيع الطواقم تدريجيًا.
الأثر الاقتصادي: تباطؤ النمو وتأجيل الإنفاق
ترك الإغلاق بصمة واضحة على النمو الاقتصادي في الأجل القصير. مكتب الميزانية في الكونغرس (CBO) قدّر أن إغلاقًا لمدة ستة أسابيع سيقلّص نمو الناتج المحلي الإجمالي الحقيقي في الربع الحالي بنحو 1.5 نقطة مئوية، نتيجة توقف الإنفاق الفيدرالي، وتأجيل الرواتب، وتراجع الثقة الاقتصادية. ويتوقع المكتب أن يُستعاد أكثر من نصف الناتج المفقود مطلع العام المقبل مع صرف الرواتب المتأخرة واستئناف المشاريع، لكن جزءًا من الخسارة سيبقى دائمًا.
شركات الطيران الكبرى حذّرت من أن الإغلاقات وتقييدات الرحلات ستنعكس سلبًا على أرباح الربع الجاري، حتى لو تعافت العمليات قبل موسم السفر في عيد الشكر.
الأثر كان أشدّ على الأسر محدودة الدخل. ملايين الأمريكيين المسجلين في برنامج المساعدات الغذائية (SNAP) واجهوا تجميدًا أو تأخيرًا في مخصصاتهم لشهر نوفمبر وسط خلافات قانونية حول شرعية استمرار البرنامج خلال فترات انقطاع التمويل. وتحتاج الولايات الآن عدة أيام لتحديث بيانات المستفيدين وإعادة تفعيل بطاقات الدفع، في وقت تستعد فيه الجهات المشغّلة لحدوث اختناقات تقنية بسبب الضغط الجماعي على أنظمة الصرف.
أما الموظفون الفيدراليون الذين ظلّوا بلا رواتب — سواء العاملين دون أجر أو المفصولين مؤقتًا — فقد مضى أكثر من شهر دون دخل. وتشير الإدارة إلى أن صرف المستحقات سيبدأ السبت المقبل، لكن تعافي أوضاع الأسر المالية سيستغرق وقتًا أطول.
انقطاع البيانات: الاحتياطي الفيدرالي في “الظلام”
من أخطر تبعات الإغلاق توقف إنتاج ونشر البيانات الاقتصادية الرسمية. مكتب إحصاءات العمل (BLS) ووكالات الإحصاء الأخرى أوقفت إصدار مؤشرات رئيسية، ما حرم الأسواق والشركات وصانعي القرار من الرؤية المعتادة حول اتجاهات النمو والتضخم والعمالة.
ووفقًا للبيت الأبيض، فإن تقرير الوظائف غير الزراعية لشهر أكتوبر، إضافة إلى مؤشر أسعار المستهلكين (CPI) لن يُنشرا على الأرجح إطلاقًا. بعض استطلاعات الأعمال يمكن إعادة بنائها لاحقًا من بيانات خاصة، لكن استطلاعات الأسر التي تُستخدم لحساب معدل البطالة يصعب إعادة إنشائها بعد أسابيع من التأخير، ما يعني أن بعض البيانات قد فُقد فعليًا.
ولم يصدر المكتب بعد جدولًا محدثًا للإصدارات، لكن من المتوقع أن يُعلن خلال الأيام المقبلة خطةً جديدة قد تشمل دمج بيانات عدة أشهر في تقرير واحد لاستعادة الإيقاع.
ويأتي هذا التوقيت في لحظة حساسة للفيدرالي، الذي يجتمع يومي 9 و10 ديسمبر لاتخاذ قرار بشأن خفض ثالث للفائدة هذا العام. من دون بيانات التوظيف والتضخم لشهر أكتوبر، سيضطر صانعو السياسة للاعتماد أكثر على مؤشرات القطاع الخاص والظروف المالية، وهي قاعدة بيانات أضيق وأقل دقة من المعتاد في مثل هذا القرار المصيري.
السياسة: تراجع تكتيكي وموعد جديد للأزمة
في الكونغرس، انتهت المواجهة وفق النمط المألوف. مجلس النواب أقر مشروع التمويل المؤقت بأغلبية 222 مقابل 209، مع معارضة معظم الديمقراطيين لعدم تضمينه مطلبهم الأساسي: تجديد الدعم المالي لتأمينات قانون الرعاية الصحية (Obamacare) التي تنتهي بنهاية العام.
وفي مجلس الشيوخ، انضم عدد محدود من الديمقراطيين ومستقل واحد إلى الجمهوريين لدعم المشروع بعد حصولهم على وعد بإجراء تصويت منتصف ديسمبر على تمديد الاعتمادات الضريبية الخاصة بالبرنامج. لكن لا ضمان لتمرير التمديد، ولم يتعهد قادة مجلس النواب بطرح أي مشروع لاحق للتصويت، بينما ألمح البيت الأبيض إلى رغبته في “إعادة هيكلة” تمويل الرعاية الصحية بدل تجديد الدعم كما هو، ما يجعل الخلاف مفتوحًا حتى حملة انتخابات منتصف 2026.
القانون الجديد يضمن تمويل الحكومة حتى 30 يناير فقط، ما يعني عودة خطر الإغلاق مطلع العام المقبل. بعض القطاعات — مثل المساعدات الغذائية، ومزايا قدامى المحاربين، وبناء المنشآت العسكرية، وهيئة الغذاء والدواء، والعمليات التشريعية — حصلت على تمويل يمتد حتى سبتمبر 2026، مما يقلل من احتمال تكرار الشلل الكامل قريبًا.
كما تضمّن القانون حظرًا مؤقتًا على تسريح الموظفين الفيدراليين حتى نهاية يناير، وهو بند دفع به مشرّعون يمثلون دوائر انتخابية تضم أعدادًا كبيرة من العاملين الحكوميين في ضواحي واشنطن والمدن الفيدرالية الكبرى.
رغم إعادة فتح الحكومة، ما زال الغضب مستعرًا داخل الأوساط التقدمية تجاه الديمقراطيين الوسطيين الذين تراجعوا عن موقفهم المتشدد في قضية الرعاية الصحية. لكن لا مؤشرات على نية إعادة فتح المواجهة الآن بعد استئناف العمل الحكومي.
حكومة أعيد فتحها... لكن القصة لم تُغلق بعد
إنهاء الإغلاق يزيل خطرًا مباشرًا يهدد الأسواق والأسر، لكنه لا يعالج الجروح الاقتصادية العميقة. النمو تباطأ، والأسر الهشّة واجهت أسابيع من الاضطراب، وصانعو السياسة — وخاصة الفيدرالي — يجدون أنفسهم الآن أمام فجوة بيانات غير مسبوقة.
ومع وجود موعد تمويل جديد على الأفق واستمرار الخلافات حول الرعاية الصحية، يبدو أن إعادة فتح الحكومة ليست نهاية الأزمة، بل مجرّد هدنة قصيرة في دراما سياسية واقتصادية قد تمتد حتى عام 2026.