توقعات الاقتصاد البريطاني في النصف الثاني من 2023
شهدت التوقعات الاقتصادية في المملكة المتحدة تحسنًا ملحوظًأ طوال عام 2023 إلى الحد الذي انخفضت فيه توقعات انزلاق الاقتصاد البريطاني إلى الركود. بل ازدادت توقعات أن يبدأ بنك انجلترا في مرحلة "الهبوط السلس" أو ما يُعرف ب “soft landing”، وأن تلك السياسة قد تساعد معدلات التضخم في العودة إلى المستويات المرجوة.
وبالتالي في غياب أي صدمات خارجية كبيرة أخرى قد تحدث، من المتوقع أن سعر الفائدة الحالي عند 5.25% قد يتوافق مع سعر الفائدة النهائي. على الرغم من أن بنك انجلترا سوف يلتزم علنًأ بالاستعداد لرفع الفائدة من جديد إذا استدعت الأوضاع ذلك، وعادت الضغوط التضخمية في الارتفاع مجددًا.
ولن يكون الاقتصاد البريطاني وحده الذي قد تبدأ الضغوط التضخمية في الانخفاض، بل أغلب التوقعات تشير إلى أن الضغوط التضخمية في العالم قد تتباطأ الفترة المقبلة. يأتي هذا في الوقت الذي بدأ فيه سوق العمل البريطاني في إظهار بعض علامات الضعف، على الرغم من استمرار نمو الأجور والذي يعتبر مصدر قلق لبنك انجلترا خوفًأ من ارتفاع التضخم.
- على الرغم من تحسن توقعات النمو نوعًأ ما، إلا أن الاقتصاد البريطاني قد يعاني بعض الوقت حتى نهاية العام. فمن المتوقع أن يسجل نموًأ أعلى من نسبة 0.5% في 2023. وكان أحد الأسباب التي أدت إلى تجنب الركود هو استعداد الأسر لاستنزاف أرصدة المدخرات الفائضة واستعداد الشركات للاستمرار في توظيف العمالة. ومع ذلك، ومع تقدمنا نحو عام 2024، من المتوقع أن تتطلع الأسر بشكل متزايد إلى تجديد أرصدة المدخرات هذه، لا سيما في مواجهة تباطؤ سوق العمل، مع ما يصاحب ذلك من انخفاض في الإنفاق.
- سيكون تأثير ارتفاع معدلات الرهن العقاري بمثابة عائق إضافي للنمو. استمرار الطلب على الرهن العقاري دليل أن التداعيات الناجمة عن سياسة التشديد النقدي لبنك انجلترا لم تظهر في الاقتصاد بعد. لا يزال العديد من حاملي الرهن العقاري في المملكة المتحدة يشهدون تقلص دخلهم المتاح بشكل كبير. لكن هذا الضغط سيأتي وسيكون أطول مما شهدناه في دورات التشديد السابقة، حيث سيظل التأثير الناجم عن ارتفاع أسعار الفائدة محسوسًا لفترة أطول حتى تنتهي صلاحية جميع القروض العقارية الحالية ذات السعر الثابت. بالإضافة إلى ذلك، من المرجح أن يعطي العديد من حاملي الرهن العقاري الأولوية لدفع أقساط زائدة كل شهر من أجل تقليل ديون الرهن العقاري المستحقة عليهم قدر الإمكان قبل أن يُطلب منهم إعادة الرهن العقاري بمعدل أعلى، أو بدلاً من ذلك عن طريق تعظيم المدخرات لسداد رصيد الديون عند إعادة التمويل
- وفي قطاع الشركات، فإن ارتفاع تكلفة التمويل سيجبر الشركات على التطلع بشكل متزايد إلى خفض التكاليف. حوالي 80% من قروض الأعمال في المملكة المتحدة هي ذات سعر فائدة متغير، مما يعني أن أسعار الفائدة الفعلية التي تواجهها هذه الشركات الآن على قروضها أعلى من 6%، أي أكثر من ضعف متوسط سعر الفائدة الذي تواجهه في نهاية عام 2021. وستؤدي هذه التكلفة المرتفعة إلى انخفاض أرباح الشركات. والتي تم تخفيضها بالفعل بقرار حكومة المملكة المتحدة برفع معدل ضريبة الشركات من 19% إلى 25% إلى جانب مخصصات رأس المال الأقل سخاء. وتعني العواقب المترتبة على هذه الأمور انخفاض مستويات تشغيل العمالة وانخفاض الإنفاق الرأسمالي، وبالتالي تقلص قوة الدفع للنمو.
- كان المحرك الرئيسي الذي سهّل على المملكة المتحدة تجنب الركود هو الاستهلاك المحلي الأقوى مما كان متوقعا في بداية العام، وهو الوضع الذي من المتوقع أن يستمر في المضي قدما. وسوف تشهد الأسر غير المرهونة ـ نحو 70% من الإجمالي ـ والتي تتمتع بأرصدة مدخرات، دفعة كبيرة لدخولها المتاحة للإنفاق نتيجة للارتفاع القوي الذي شهدته أسعار الفائدة على الودائع. ومن المثير للاهتمام أن الودائع المصرفية للأسر تعادل الآن ما يقرب من 98% من القروض غير المسددة، وهي زيادة حادة عن متوسط سعر الفائدة الذي بلغ 76% على مدى العقدين الماضيين، مما يعني أن أي ضغط على الاستهلاك نتيجة لارتفاع أسعار الفائدة يتم تعويضه من خلال تعزيز الاستهلاك.
- يستمر عدد الوظائف الشاغرة أيضًا في الارتفاع، حيث انخفض متوسط الوظائف الشاغرة إلى معدل البطالة لمدة ثلاثة أشهر - وهو مقياس رئيسي لتباطؤ سوق العمل بالنسبة لبنك انجلترا إلى 0.71% من مستوى الذورة البالغ 1.05 الذي شهده في أغسطس 2022. هذا الانخفاض في الطلب لأن العمالة ستؤدي بشكل متزايد إلى ضغوط هبوطية على نمو الأجور مع اكتساب أصحاب العمل اليد العليا في مفاوضات الأجور وتتلاشى الضغوط الصعودية على الأجور الناجمة عن تقلبات سوق العمل. ومن الأمور ذات الأهمية الرئيسية هنا أن انخفاض نمو الأجور يجب أن يؤدي سريعًا إلى ضغوط هبوطية في تسعير قطاع الخدمات، نظرًا لأن الأجور هي التكلفة الرئيسية لمعظم شركات الخدمات. وسيترجم هذا إلى تسارع وتيرة الانخفاض في مؤشر أسعار المستهلك الأساسي.
- يبدو أن التضخم في بنك انجلترا اصبح يشهد تباطؤ نمو ملحوظ. ومن المتوقع أن يستقر عند نسبة 5% تقريبًأ. على الرغم من أن ارتفاع أسعار النفط قد يشكل عائق أمام توجه التضخم نحو المستويات المرجوة، إلا أن هذا الأمر قد يؤثر بشكل مؤقت فقط. وتشير بيانات تسعير المنتجين أيضا إلى تباطؤ أسعار السلع الاستهلاكية في المستقبل، والأهم من ذلك، تضخم مؤشر أسعار المستهلكين للخدمات، وهي الفئة التي كانت مرنة بشكل ملحوظ في مواجهة تأثير التشديد النقدي من قبل بنك إنجلترا حتى الآن ومنع مؤشر أسعار المستهلك الأساسي من الانخفاض.
- لم يقدم بنك إنجلترا أي مؤشرات حول المدى الذي يجب أن ينخفض به مؤشر أسعار المستهلك قبل أن يفكر في خفض أسعار الفائدة، ولكنه أكد أنه سيراقب التطورات عن كثب. ومع ذلك، أشار بنك إنجلترا إلى أنه بمجرد الوصول إلى سعر الفائدة النهائي، فمن المتوقع أن تظل أسعار الفائدة ثابتة لفترة ممتدة بدلاً من خفضها. وبناء على ذلك، ليس من المتوقع خفض أسعار الفائدة حتى أواخر النصف الأول من عام 2024 على الأقل.